حلقة على الهواء || كتاب نظام الإسلام - الحلقة 4 | قناة الواقية | Al Waqiyah TV

حلقة على الهواء || كتاب نظام الإسلام - الحلقة 4[طريق الإيمان - هل يكفي الوجدان للإيمان بالله تعالى؟]برنامج حلقة على الهواء يقدمه الأستاذ أحمد القصص وهو في كتاب نظام الإسلام لمؤلفه العالم الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى.يأتيكم البرنامج كل اثنين...

الواقية،,قناة,الواقية,طريق الإيمان,نظام الإسلام,تقي الدين النبهاني,الوجدان,الإيمان,الإيمان بالله,الحلقة

حلقة على الهواء || كتاب نظام الإسلام - الحلقة 4

إعجابات: 2 (100%)
نشر بواسطة: LB | التاريخ: 06/22/2017 | المشاهدات: 225

 

حلقة على الهواء || كتاب نظام الإسلام - الحلقة 4
(طريق الإيمان - هل يكفي الوجدان للإيمان بالله تعالى؟)
برنامج حلقة على الهواء يقدمه الأستاذ أحمد القصص وهو في كتاب نظام الإسلام لمؤلفه العالم الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى.
يأتيكم البرنامج كل اثنين الساعة 22:00 بتوقيت المدينة المنورة عبر قناة الواقية.
لمشاهدة الحلقات السابقة:
https://www.youtube.com/playlist?list=PLkBCHbLpp6nZwIg6auV-wOK8l5PDnGAyn

===============

 

نص الحلقة:

 

بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
إخوتي الكرام:
تقبل الله تعالى صيامكم، وقيامكم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون، وأياكم من عتقاء هذا الشهر الكريم، ها نحن وأياكم في الجزء الرابع من حلقة على الهواء، وما زلنا في سلسلة متعاقبة في موضوع طريق الإيمان، في الحلقة السابقة وصلنا إلى موضوع إثبات وجود الخالق سبحانه وتعالى، فأوردنا من الأدلة العقلية ما أوردنا في إثبات وجود الله سبحانه وتعالى خالق الكون، والإنسان، والحياة.
في هذه الحلقة نتكلم في موضوع يرتبط ارتباطا وثيقا في الموضوع السابق، ألا وهو:
هل يكفي الوجدان طريقا إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى؟ هذا موضوعنا لهذه الحلقة، نكون معكم بشرح مستفيض إن شاء الله، بعد السماع لهذه الفقرة المقروءة.

الفقرة:
نَعَم؛ إِنَّ الإيمانَ بالخالقِ المدبِّرِ فِطْرِيٌ في كلِّ إنسانٍ. إِلا أَنَّ هذا الإيمانَ الفطريَّ يأتِي عن طريقِ الوِجْدَانِ. وهو طريقٌ غيرُ مَأْمُونِ العاقِبَةِ، وغيرُ مُوصِلٍ إِلى تركيزٍ إذا تُرِكَ وَحْدَهُ. فالوِجدانُ كثيراً ما يُضْفِي على ما يُؤْمِنُ بِهِ أَشْيَاءَ لا حقائقَ لهَا، ولكنَّ الوِجدانَ تخَيَّلَهَا صِفاتٍ لازمةً لِمَا آمَنَ بِهِ، فَوَقَعَ في الكُفرِ أو الضَّلالِ. وما عبادةُ الأوثانِ، وما الخُرافاتُ والتُرَّهَاتُ إلا نَتيجَةً لخطأِ الوِجدانِ. ولهذا لم يَتْرُكِ الإسلامُ الوجدانَ وحدَهُ طريقةً للإيمانِ، حتى لا يجعلَ للهِ صفاتٍ تَتَنَاقَضُ مَعَ الأُلُوهِيَّةِ، أو يجعلَهُ مُمْكِنَ التَجَسُّدِ في أشياءَ مادِّيَّةٍ، أو يَتَصَوَّرَ إِمكانَ التَقَرُّبِ إلَيْهِ بعِبادةِ أَشياءَ مادِّيَّةٍ، فيُؤَدِّيَ إمَّا إلى الكفرِ أو الإشراكِ، وإمَّا إلى الأوْهَامِ والخُرافَاتِ الَّتي يَأْبَاها الإيمانُ الصادقُ. ولذلكَ حَتَّمَ الإسلامُ استعمالَ العَقْلِ مَعَ الوِجدانِ، وأَوْجَبَ على المُسلمِ استعمالَ عقلِهِ حينَ يُؤْمنُ بِاللهِ تعالى، ونَهى عَنِ التقليدِ في العقيدةِ ولذلكَ جَعَلَ العقلَ حكماً في الإيمانِ باللهِ تعالى. قالَ تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾. ولهذا كانَ واجباً عَلى كلِّ مسلمٍ أَنْ يَجْعَلَ إيمانَهُ صادراً عَنِ تَفْكيرٍ وبَحْثٍ ونَظَرٍ، وأَنْ يُحَكِّمَ العَقلَ تحكيماً مُطلقاً في الإيمانِ باللهِ تعالى. والدعوةُ إلى النَظَرِ في الكونِ لاستنباطِ سُنَنِهِ وللاهتداءِ إلى الإيمانِ بِبَارِئِهِ، يُكَرِّرُهَا القُرآنُ مِئَاتِ المرَّاتِ في سُوَرِهِ المُخْتَلِفَةِ، وكُلُّهَا مُوَجَّهَةٌ إلى قُوَى الإِنسانِ العاقِلَةِ تَدعُوهُ إلى التَدَبُّرِ والتَأَمُّلِ لِيَكونَ إيمانُهُ عَنْ عقلٍ وبَيِّنَةٍ وتُحَذِّرُهُ الأَخْذَ بما وَجَدَ عَلَيْهِ آبَاءَهُ مِنْ غيرِ نَظَرٍ فيه وتَمْحِيصٍ لَهُ وثِقَةٍ ذَاتِيَّةٍ بِمَبْلَغِهِ مِنَ الحقِّ. هذا هوَ الإيمانُ الذي دَعَا الإِسلامُ إِلَيْهِ، وهوَ لَيْسَ هذا الإيمانَ الَّذي يُسَمُّونَهُ إيمانَ العَجَائِزِ، إنَّمَا هوَ إيمانُ المُسْتَنِيرِ المُسْتَيْقِنِ الَّذي نَظَرَ ونَظرَ، ثُمَّ فَكَّرَ وفَكَّرَ، ثُمَّ وَصَلَ مِنْ طَريقِ النَظرِ والتَفْكِيرِ إلى اليَقِينِ بِاللهِ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ.
=============
السلام عليكم ورحمة الله، إخوتي الكرام:
في مجال الإيمان بالله سبحانه وتعالى الإيمان بوجود الله عز وجل، يتبنى بعض المسلمين، وبعض المدارس الإسلامية إن صح التعبير، فكرة مؤداها: "أنه ما من داع لإيراد الأدلة العقلية لإثبات وجود الخالق سبحانه وتعالى، فليس الإنسان بحاجة إلى أدلة عقلية ليصل إلى الإيمان بالله عز وجل وأن الإيمان يكفي أن يكون طريقه "الوجدان" أي ما تؤدي إليه الفطرة بطبيعتها، يقولون الإنسان فطر على الإيمان بالله سبحانه وتعالى وما دام الإنسان قد فطر على الإيمان بالله عز وجل فهو مؤمن بخلقته، وطبيعته، ولا يحتاج إلى البحث عن الأدلة العقلية من أجل إثبات وجود الله عز وجل، يستندون في هذا إلى قوله عز وجل: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾. كما يستندون إلى قوله عز وجل: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾.

فيقول الذين يتبنون هذا الرأي، هذه الفكرة، إن هذه الآية واضحة في أن الله سبحانه وتعالى أخذ عهدا على بني آدم في عالم الذر، من ظهورهم، أي منذ أن خلق آدم عليه السلام، فإيمانهم بالله عز وجل هو أمر مغروز فيهم، جزء من فطرتهم، فلا يحتاج إلى الاستدلال عليه بالأدلة العقلية، هذا الكلام في حقيقة الأمر فيه شيء من المبالغة، نعم!
قد سلف، وثبتنا، وقررنا بنص قول الله سبحانه وتعالى الذي تلوناه قبل قليل، ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾، وأيضا في الآية الثانية التي تلوناها وهي قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا﴾، هذه الآية، أو هاتان الآيتان تدلان على أن الإيمان بالله سبحانه وتعالى أمر فطري، ولكن كيف يكون الإيمان عند الإنسان بالله سبحانه وتعالى حين يكون فقط اعتمادا على الفطرة؟ هذا ما يسمى الإيمان من طريق الوجدان، ماذا نعني بكلمة الوجدان حين نقول لا يكفي الوجدان طريقا إلى الإيمان بالله عز وجل؟

الوجدان في اللغة: هو ما يجده الإنسان، وجد، يجد، وُجدا، أو وجدانا.
وفي هذا الموضوع الذي نتكلم عليه بالتحديد، وقد يكون المعنى اصطلاحيا هنا: ما يجده الإنسان تلقائيا من نفسه من ميل من أجل إشباع فطرته التي تميل به إلى الحاجة إلى الخالق المدبر، إلى الشعور بالحاجة إلى الخالق المدبر سبحانه وتعالى. فطرة الإنسان، غريزة التدين في الإنسان هي شعور الإنسان بالحاجة إلى الخالق المدبر سبحانه وتعالى، هذا الشعور الناشئ عن الشعور بالعجز الطبيعي، والاحتياج لدى الإنسان فيرى أنه بحاجة إلى الله سبحانه وتعالى فيلجأ إليه، هذا الشعور هو جوعة في الإنسان، هو حاجة في الإنسان، تحتاج إشباعا، إشباعها الصحيح الذي يؤدي للإنسان إلى الطمأنينة، والراحة، إلى طمأنينة القلب، إلى سعادة الإنسان، الطريق إلى إشباع هذه الفطرة يكون بالإيمان الحق بالله سبحانه وتعالى، وعبادته وفق العبادات التي شرعها سبحانه وتعالى وأن يعيش في حياته وفق هدي الله عز وجل، إذاً هذا ما يشبع فطرة الإنسان؛ أن يؤمن بالله سبحانه وتعالى. الإنسان إن فكر التفكير الصحيح، وصل للإيمان بالله عز وجل، وقد تكلمنا معكم في الحلقة السابقة عن الطريقة الصحيحة في التفكير، الطريقة الفطرية في التفكير التي توصل الإنسان إلى الإيمان بالله عز وجل.

ولكن لو فرضنا أن الإنسان عطل عقله، ولم يبحث في الأدلة العقلية على ما وراء الكون، والإنسان، والحياة، من أجل أن يصل إلى خالقها سبحانه وتعالى، إلى الإيمان بخالقها عز وجل... ألا يمكن لفطرة الإنسان من طريق الوجدان أن تشبَع من خلال عبادة غير الله سبحانه وتعالى؟ وباحتمال آخر ألا يمكن أن يؤدي به محض الوجدان إلى أن ينسب إلى الله سبحانه وتعالى صفات لا تليق به فيشرك به؟ ويتخيل له صفات لا تليق به سبحانه وتعالى؟ بلى! كيف؟
إنْ ترك الأمر لوجدانه، أي لما يجده الإنسان من ميل تلقائي لإشباع فطرة التدين يه، غريزة التدين فيه، فإنه هنا سوف يميل إلى ما تدفعه نفسه إلى الميل إليه وفق ما يحمله من مزاج خاص، ما يحمله من مزاج ذاتي، من نشأة أثرت به، ومن محيط أثر به! أليس هذا ما أشار إليه الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز حين قال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾. ما ألفينا عليه آباءنا أي ما وجدنا عليه آباءنا، هذا هو معنى الوجدان، أن يترك الإنسان أمر فطرته لتشبع نفسها أو لتشبَع وفق ما يجده الإنسان حوله من شيء يمكن أن يشبع فطرته، فإن وجد الناس من حوله؛ مجتمعه، أبويه، أهله، يعبدون الوثن!

هذا يكون قد وجد في نفسه ميلا لإشباع غريزة التدين من خلال ما وجده من حوله من أناس يشبعون غريزة التدين بعبادة الوثن، ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ﴾ وجدنا آباءنا يجدون الناس من حولهم يعبدون شيئا فإذا بفطرتهم تميل بشكل شاذ! بشكل خطأ! بشكل منحرف! إلى عبادة أشياء عبدها الناس، لذلك لطالما وقع الناس حين يعطلون عقولهم، في التقليد، في الأوهام، في الخرافات، في الأساطير، أليس الناس الذين حملوا الديانات، أو اعتنقوا الديانات طوال التاريخ من وثنية متعددة الأشكال، هؤلاء الذين عبدوا الشمس، أو أولئك الذين عبدوا القمر، أو الذين عبدوا النجوم، أو الذين عبدوا النهر، النيل، أو الذين عبدوا فرعون، أو الذين عبدوا أصناما اتخذوها لأنفسهم، أو الذين اتخذوا نبيا من أنبياء الله عز وجل إلهاً فعبدوه، أو الذين عبدوا البقر... إلى آخره، هؤلاء من الذي دفعهم إلى عبادة هذه الأشياء؟ هل هو العقل الذي يدفع الإنسان إلى اتخاذ وثن يعبده؟ بالطبع لا، إنما هي غريزة التدين في الإنسان، الإنسان يريد أن يَعبد، يريد أن يقدس، يريد أن يبحث عمن يسد به نقصه وحاجته، فحين يعطل عقله يجد الناس من حوله يعبدون وثنا، يسجدون لصنم، يقدسون مخلوقا من المخلوقات فيسيرون وراء ذلك!

هذا التفكير، القول بأن الوجدان كاف بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، وأن العقل ليس واردا هنا، وأنه ما من داع إلى إيراد الأدلة العقلية على وجود الله سبحانه وتعالى، هو في الحقيقة زعم لا أساس له، لا من حيث الواقع، ولا حتى من حيث نصوص الشرع. لماذا يلفت الله سبحانه وتعالى نظر الناس في كتابه الكريم إلى أسرار الخلق؟ ويدعو الناس إلى النظر في أرجاء الكون، والإنسان، والحياة، في أرجاء السماوات والأرض؟ لماذا يقول الله سبحانه وتعالى للناس قل انظروا؟! ويقول سبحانه وتعالى ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾؟ لماذا يقول الله سبحانه وتعالى للناس، وهو يخاطبهم في مجال الإيمان: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ﴾؟ هذه آيات تتحدث بشكل واضح عن الخلق، ترشد الإنسان إلى النظر في آيات الكون، آيات متناثرة حوله في السماوات، والأرض،

من أجل أن يصل من خلالها إلى وجود الخالق سبحانه وتعالى، والواقع أنه من قديم التاريخ، وحتى يومنا هذا ثمة أناس، ومذاهب فكرية، وعقائد قامت على أساس إنكار وجود الخالق سبحانه وتعالى، وهؤلاء ضلوا، وأضلوا أناساً وراءهم، هذه الفكرة ليست جديدة، هؤلاء الذين يسمون في الماضي، كانوا يسمون بالدهريين، والذين كانوا يقولون وفق ما ورد في كتاب الله عز وجل: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾، منذ قديم الزمان على الرغم من أن غالب الناس كانوا متدينين بفطرتهم إلا أنه وجد من المذاهب الشاذة، من الفلسفات الشاذة، والعقائد الشاذة، من قرر، وزعم، وادعى، أنه لا خالق لهذا الوجود، وأن هذا الوجود موجود بذاته دون أن يوجده أحد! وهذه العقيدة، هذه الفكرة ما زالت موجودة حتى يومنا هذا تحت عناوين شتى، من أشهر المدارس، أو المذاهب التي تبنت هذه الفكرة في هذا الزمان "الفلسفة الماركسية" التي تقوم على أساس عقيدة "لا إله والحياة مادة"، وليس الماركسيون فقط هم من يزعمون، أو يدعون أن الكون، والإنسان، والحياة، لا خالق لها وأنها موجودة من تلقاء نفسها منذ الأزل، وأنه لا وجود لخالق خلق الكون، والإنسان، والحياة. هناك في الغرب، وفي كل الدنيا أناس يتشدقون ويزعمون أنهم وصلوا إلى الحقيقة المطلقة أنه لا وجود إلا للمادة، وأن المادة هي واجبة الوجود! وهؤلاء أثروا في أناس، وهناك شعوب تأثرت بهذه الفكرة، فماذا نقول لهؤلاء؟

أنقول لهم لا جواب عندنا، ولا دليل عندنا لإبطال تلك الفلسفة التي حملتموها وذلك الإلحاد الذي وصلتم إليه؟ أنقول لهم عودوا إلى فطرتكم فقط؟! هؤلاء أفسدت الأيام فطرتهم، أفسدت الأفكار فطرتهم، أفسد الفلاسفة فطرتهم، أفسدت الحياة المادية التي يعيشونها فطرتهم، ولا سبيل إلى إعادة فطرتهم إلى جادة الصواب إلا بمخاطبة عقولهم، وهم الذين يزعمون أنهم وصلوا إلى الإلحاد من خلال التفكير العقلاني، هكذا يزعمون! مع أنهم في حقيقة الأمر مدعون فقط! أدعياء العقلانية، وليسوا عقلانيين فعلا لأن العقل إن سلك طريق الصواب وصل حتما إلى أن للكون، والإنسان، والحياة خالقا خلقها سبحانه وتعالى.

فلا بد من مجادلة هؤلاء بالعقل من أجل أن نثبت لهم أنه لا يمكن لمادة الكون، والإنسان، والحياة أن تكون موجودة من تلقاء نفسها، لا بد من أن نلفت أنظارهم، وفكرهم، إلى أن مادة الكون، والإنسان، والحياة، هي بطبيعتها محدودة، وناقصة، وعاجزة، ومحتاجة لمن يوجدها، ولمن أخضعها للنظام الذي خضعت له، من هنا كان لا بد من مواجهة الملحدين، ولا بد أيضا من تلبية أسئلة التائهين، المتشككين، الضائعين، بمخاطبة عقولهم، وإيراد الأدلة العقلية القطعية الجازمة على وجود الله سبحانه وتعالى، لذلك فإننا نرفض تلك الفكرة التي وصل إليها البعض منذ مئات السنين في تاريخ الإسلام، ولا زالت تتكرر حتى يومنا هذا، بأن الإيمان هو إيمان العجائز ذلك الإيمان الذي لا يستند إلى فكر، ولا إلى عقل، ولا إلى استدلال، وإنما هو ذلك الإيمان الذي يقذفه الله في القلوب إيمان العجائز! نور يقذفه الله في القلب، نعم، الإيمان نور يقذفه الله في القلب بناءً على تفكير صحيح لأن الله سبحانه وتعالى جعل العقل مناط التكليف،

وهو الذي خاطب الناس بأن يفكروا، وأن يعقلوا، وأن يتدبروا في أرجاء السماوات والأرض، في كل ما حولهم، ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾، إذاً القضية قضية نظر، ورؤية، وتدبر، وتفكر، ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ﴾، أولي الألباب أي أولي العقول، وحين يتكلم القرآن عن أولي الألباب، ويتكلم عن قلبٍ لدى الإنسان عليه أن يعقل وأن يتدبر، وأن يفكر، فإنما هو يخاطب العقول، يخاطب المدارك العاقلة في الإنسان من أجل أن يصل إلى الحقيقة.

الإيمان ليس مجرد إيمان وجداني، ليس مجرد انطلاق للفطرة بشكل تلقائي حتى تصل إلى ما تؤمن به فتصل ربما إلى أن تجسد الخالق سبحانه وتعالى كما فعل مشركو العرب الذين بعث فيهم رسول اللهr، والذين قالوا في آلهتهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾، كانوا يقرون بوجود الله سبحانه وتعالى، يقرون بوجود الخالق: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾، إذاً نعم من مخاطر ترك الإيمان للوجدان فقط، إما أن يلحد الإنسان، وإما أن يشرك الإنسان، وإما أن يؤمن بالخالق سبحانه وتعالى ولكنه ينسب إليه صفات لا تليق به، أو يتقرب إليه من خلال عبادة أوثان كما فعل مشركو العرب؛ كانوا يظنون أنه بعبادتهم اللات، والعزى، ومنات، وهبل أنهم بذلك يتقربون إلى الله عز وجل، فهم أقروا بوجود الله سبحانه وتعالى، ولكنهم حين تركوا الأمر للإيمان التقليدي، الوجداني، الوراثي، وللخرافات والأوهام دون أن يحكموا عقولهم راحوا يعبدون الله سبحانه وتعالى أو يتقربون إلى الله عز وجل من خلال أوثان!

كما يمكن أيضا لترك الإيمان من خلال الوجدان أن يتخيل طرقاً لعبادة الله سبحانه وتعالى لا تليق به عز وجل فيخترع الإنسان عند نفسه!
من هنا وجب على الإنسان أن يقرن الأمرين معا؛ أن يبحث على العقيدة التي تشبع فطرته، توافق فطرته، وأن تكون هذه العقيدة مقنعة لعقله، أن ينظر إلى الحقائق من خلال ما وهبه الله سبحانه وتعالى من مدارك، من قدرة على إدراك الأشياء، من قدرة على إدراك الحقائق، وهذا هو اعتماد الفكر، والعقل، والأدلة العقلية، ليس صحيحا ما قاله البعض من أنه حين يُغرق الإنسان في الاستدلال العقلي فإنه يصل في وقت من الأوقات إلى حائط مسدود، في الحقيقة الذين وقعوا في هذه المشكلة ليس هم الذين حكّموا عقولهم للوصول إلى الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى، بل هم أولئك الذين حمّلوا عقولهم فوق طاقتها، وهؤلاء الذين سأتكلم عليهم إن شاء الله في حلقة لاحقة، أولئك الذين وجدوا عقولهم قادرة على إدراك حقائق الأشياء المحسوسة فظنوا أن العقل ذو قدرة لا متناهية، فراحوا يبحثون عن إدراك ما وراء الحس، ما وراء المدرَك، الملموس، المحسوس

فراحوا يحاولون تخيل ما وراء الكون، والإنسان، والحياة، بل راحوا بعد ذلك يحاولون إدراك ماهية الخالق سبحانه وتعالى وصفاته، لأنهم ظنوا أن العقل هو ملكة ذات قدرات لا متناهية! هؤلاء حين أوقعوا أنفسهم في هذا الوهم ارتدوا على أدبارهم فقالوا لقد توهمنا أن العقل قادر على الوصول إلى كل الحقائق ووصلنا إلى نتيجة، ورسونا على بر آخر وهو أنه ليس العقل هو الهادي إلى الله سبحانه وتعالى، وإنما الإيمان نور يقذفه الله في القلب هو إيمان العجائز الذي لا يعتمد استدلالاً عقليا، وهذا في الحقيقة انقلاب على الذات وليس هو اهتداء إلى الحقيقة.

الله سبحانه وتعالى وهب الإنسان عقلا من أجل أن يكون أساساً للهداية، ولولا قدرة الإنسان على الإدراك من خلال العقل والتفكير لما استطاع أن يصل إلى أي حقيقة، ولذلك جعل الله سبحانه وتعالى العقل مناط التكليف فإن سلب الإنسان هذه الموهبة، إن سلب الإنسان ما وهب أسقط عنه ما أوجب! من هنا لا أحد منا يحمل المجنون مسؤولية الإيمان بالله سبحانه وتعالى إيمانا واعيا مدركا، ولا أحد يحمله مسؤولية الإذعان لأوامر الله سبحانه وتعالى لأنه غير قادر على أن يفقهها، ولا أن يعقلها، ولا أن يفهمها.

العقيدة الإسلامية أسّسها الله سبحانه وتعالى عند المؤمنين على العقل قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
الحمد الله رب العالمين.
أبقى الآن مع الأسئلة التي وردتنا عبر الهواء مباشرة.

السؤال الأول:
ما معنى تركيز العقيدة؟ وكيف نربط ذلك بقول رسول اللهr: «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»؟ ألا يكفي المرء إيمان العجائز؟ وشكرا.

الجواب:
بداية أبدأ بالسؤال: ما معنى تركيز العقيدة؟ لقد قلنا إن العقيدة عند المؤمن يجب أن ترتكز إلى الأدلة، فحين نتكلم على الإيمان بالله سبحانه وتعالى فإن تركيز الإيمان بالله عز وجل إنما يكون بتركيز الأدلة العقلية الدالة على الله سبحانه وتعالى، وحين نكون بصدد الإيمان بالقرآن أنه كلام الله، فهذا الأمر سنأتي عليه إن شاء الله في وقت لاحق، فهذا يكون من خلال إيراد الأدلة العقلية الجازمة والقاطعة على أن القرآن كلام الله، وهذا أيضا ما يركز الإيمان بأن محمداً رسول الله، وحين نكون بصدد تركيز الإيمان بالملائكة وباليوم الآخر وبالجنة والنار فنحن هنا نكون بصدد إيراد الأدلة النقلية القطعية من كتاب الله عز وجل، الدالة على وجود الملائكة وعلى اليوم الآخر وعلى الجنة والنار، هذا معنى تركيز العقيدة، أي إسناد هذه العقيدة إلى أدلة قطعية سواء كانت هذه الأدلة أدلة عقلية حيث ينبغي الاستدلال بالعقل أو كانت أدلة نقلية حيث ينبغي الاستدلال بالنقل.

أما عن قول رسول اللهr «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»، فهذا بالطبع لا يعني أن مجرد القول، مجرد أن تقول "لا إله إلا الله" بلسانك دخلت الجنة؛ لأن الإيمان ليس قولاً وإنما هو تصديق ينتج عنه قول، إقرار، ويفضي بعد ذلك إلى طاعة الله سبحانه وتعالى وفق تعبير الإمام الحسن البصري رحمه الله "الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل". فقد يأتي كافر مشرك منافق ويتلفظ بعبارة "لا إله إلا الله" ولكنه لا يحملها في قلبه ولم ينعقد عليها قلبه، وهو جاحد كافر بالله عز وجل. فهل يكفي أن يقول؟ ألم يقلها المنافقون والله سبحانه وتعالى قال ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ كانوا يقولونها بشكل دائم ويرددونها في الصلاة مع المؤمنين وهم يقفون خلف رسول اللهr، نفاقاً يصلون، إذا من قال: "لا إله إلا الله"، أي تُحمل على معنى من آمن بأن "لا إله إلا الله" وأدى حقها دخل الجنة. إيمان العجائز، هناك زعم بأن إيمان العجائز هو إيمان يستند فقط إلى الفطرة ولا يستند إلى البدهيات العقلية، وهذا زعم لا أساس له من الصحة. من قال إن العجائز لا عقول لهم يفكرون فيها؟ من قال إن الاستدلال على وجود الله سبحانه وتعالى بالعقل يحتاج أناساً عباقرة؟ أليس ذلك الأعرابي الذي استدل على وجود الخالق سبحانه وتعالى بقوله "البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير، فأرض ذات فجاج وجبال ذات رواسي وسماء ذات بروج...

ألا تدل على الخالق سبحانه وتعالى؟!" هل هذا الأعرابي مثقف، تلك الثقافة التي يتوهم البعض أننا بحاجة إليها كي نستدل على وجود الله سبحانه وتعالى؟ بالطبع لا، كل إنسان بما يملك من ذهن صاف مقر بالحقائق مخلص في البحث عن الحقيقة، يستطيع ببدهيته العقلية التي يحملها، أن يصل إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى من خلال النظر في الأشياء حوله والتي انبث في كل شيء منها دليل على وجود الله عز وجل، فالعجائز الذين يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، هم كالشباب، هم كالرجال، هم كالمتعلمين، هم كالمثقفين، هم كأكثر الناس ثقافة من الذين بحثوا عن الحقيقة، وطلبوها فوصلوا إليها من خلال إدراكهم أنه لا يمكن لهذه الأشياء المبثوثة من حولنا ولا يمكن لنا نحن أن نوجَد دون أن يوجِدنا الخالق سبحانه وتعالى.

الأخ أبو قصي يسأل:
ما تفضلت به ألا يصل بالمسلم إلى الكفر إن لم يتبع الطريقة الصحيحة للإيمان؟ وأقصد قوله تعالى: ﴿حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا﴾ إذاً كيف نبتعد عن التفكير السهل عند الحديث حول الطريقة الصحيحة للإيمان، وهناك من المسلمين من لم يتخذ هذه الطريقة، بل أضاف لنفسه فوق الإيمان بالله ورسوله وملائكته، إيمانا آخر ببعض الأولياء الصالحين أو الأشخاص، كما حصل مع بعض الصوفية أو بعض المذاهب، أرجو أن يكون سؤالي واضحا وعذرا للإطالة؟
أكرمك الله أخي الكريم، من مجمل السؤال وضح المقصود، نعم! أنت بهذا السؤال تؤكد ما أوردناه في كلامنا من أن تعطيل العقل وترك الإيمان للوجدان، الوجدان الذي يتأثر بنزعات النفس المتأثرة بالواقع الذي يعيش فيه الإنسان، بالبيئة، بالمجتمع، بالضغوط، بالموروثات، إن ترك الأمر لهذه الأمور وترك إيمانه يأتي عن طريق الوجدان، نعم! قد يؤمن بغير الله، وقد يؤمن بالله ثم يضيف إلى إيمانه بالله سبحانه وتعالى، تقديسا لأولياء يضعهم في مرتبة عالية، فيضع بعض الأولياء في مرتبة القديسين، ويضعهم في مراتب فوق مراتب الأنبياء، أو يتصور في هؤلاء أنهم ممكن أن يتحكموا في ذرات الكون، أو... أو... إلى آخره،

نعم هذا كله بسبب أن هؤلاء تركوا طريقة التفكير العقلية الصحيحة، وراحوا يسيرون وراء أوهام وترهات، وخرافات، كل ذلك بسبب ترك الأمور من خلال الإيمان التقليدي والوراثي الذي يأتي من طريق الوجدان.
إخواني الكرام نكتفي بهذا الذي أوردناه حتى الآن، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون قد نفعنا، وأن يزيدنا نفعا، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


الفئات:
» حلقة على الهواء
» حلقة على الهواء » سلسلة نظام الإسلام

العلامات: الواقية، | قناة | الواقية | طريق الإيمان | نظام الإسلام | تقي الدين النبهاني | الوجدان | الإيمان | الإيمان بالله | الحلقة |